بين التهديد والتفاوض.. الأسواق تحاول فهم نوايا ترامب الجمركية
في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات التجارية العالمية، وتعيش الأسواق الأمريكية والعالمية حالة من التقلبات العنيفة، يواجه المستثمرون سؤالًا وجوديًا: ما الذي يسعى إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فعليًا من سياسة الرسوم الجمركية؟ هل هي أداة تفاوضية؟ أم غاية بحد ذاتها؟ في ظل الرسائل المتضاربة من الإدارة الأمريكية، تزداد حالة الضبابية وتضع الأسواق أمام مشهد غير مسبوق من عدم اليقين.
مفاوضات غير واضحة ورسائل متضاربة
الرئيس ترامب لم يُخفِ موقفه الرافض لتبادل تقليدي للرسوم مقابل تخفيضات متبادلة، لكنه لم يُقدّم في المقابل رؤية متماسكة لما يريده من هذه المفاوضات. هذا الغموض يزداد مع انطلاق جولات جديدة من المحادثات مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية، واستعداد دول أخرى للانضمام إلى الطاولة.
هذا التباين في المواقف — والذي قد يكون محسوبًا من الناحية التفاوضية — انعكس بوضوح على مزاج الأسواق. ففي حين يدلي بعض مستشاريه بتصريحات مرنة، يخرج آخرون برسائل حادة وصدامية، مما يربك المستثمرين ويضعهم في حالة ترقّب دائم.
تصعيد متوقّع في أي لحظة
الأسواق تتابع عن كثب مجموعة من المواعيد الحساسة المرتبطة بتنفيذ الرسوم الجمركية. على رأسها، التهديد بفرض رسوم إضافية بنسبة 50% على السلع الصينية، والتي قد تُعلن فجأة، إلى جانب بدء تطبيق الرسوم الانتقامية من عدة دول في 9 أبريل.
وبحسب تسريبات نشرتها "بوليتيكو"، فقد توجّه وزير الخزانة سكوت بيسنت إلى منتجع "مار ألاغو" للقاء الرئيس ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع، بهدف توحيد الخطاب ووضع رؤية أوضح لـ"المرحلة النهائية" من الخطة التجارية.
وفي تصريح على قناة CNBC صباح الثلاثاء، قال بيسنت:
"إذا جاءوا بمقترحات جدّية، أعتقد أننا قادرون على التوصل لاتفاقات جيدة."
هذا التصريح منح الأسواق دفعة مؤقتة، قبل أن تعود للانكماش مع استمرار الضبابية.
ترامب يتحدث بلغة مزدوجة
الرئيس نفسه لا يلتزم دائمًا بخط واحد في التصريحات. ففي صباح الثلاثاء، كتب على وسائل التواصل أن "المحادثات مع كوريا الجنوبية تسير بشكل جيد"، واصفًا المفاوضات بأنها "سلة واحدة لحل شامل". وفي المقابل، قال يوم الإثنين للصحفيين عند عودته لواشنطن:
"لن نقبل بالعجز التجاري بعد اليوم... إما فائض أو على الأقل توازن في التجارة."
وخلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عاد ليتحدث عن "إعادة ترتيب الطاولة"، مؤكدًا أن هناك العديد من الملفات العالقة.
وعندما سُئل عن التناقضات في خطابه، أجاب:
"كلا الأمرين ممكنان: يمكن أن تكون هناك رسوم دائمة، ويمكن أن تجري مفاوضات في الوقت ذاته، لأن هناك أشياء نحتاجها تتجاوز الرسوم الجمركية."
فريق اقتصادي منقسم على ذاته
التباين في الخطاب لا يقتصر على ترامب، بل يمتد إلى أعضاء فريقه الاقتصادي. ففي ظرف أقل من ساعة يوم الإثنين:
أعلن الوزير بيسنت عن فتح مفاوضات مع اليابان لتطبيق رؤية ترامب.
في التوقيت ذاته، نشر المستشار التجاري بيتر نافارو مقالًا في "فايننشال تايمز" أكد فيه أن "الرسوم ليست أداة تفاوض، بل طوارئ وطنية ناجمة عن نظام تجاري غير عادل".
وزير التجارة هوارد لوتنيك أكد أن "الرسوم قادمة"، بينما قال رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين ستيفن ميران إن هناك "خمس طرق على الدول الالتزام بها لتفادي بعض الرسوم".
أما ممثل ترامب التجاري، جيمسون غرير، فقد أدلى بشهادته أمام الكونغرس، مشيرًا إلى أن "المفاوضات بدأت تؤتي ثمارها"، لكنه شدد على أن "كل دولة سيتم التعامل معها بطريقة مختلفة".
شائعات كافية لزعزعة السوق
حساسية الأسواق بلغت ذروتها، حيث تسببت شائعة واحدة — عن تعليق محتمل للرسوم لمدة 90 يومًا — في قفزة مؤقتة تجاوزت 2.4 تريليون دولار في القيمة السوقية. لكن ما لبثت هذه القفزة أن تبخّرت بعد نفي رسمي من البيت الأبيض الذي وصف الخبر بـ"الأخبار المزيفة".
هذا السلوك المتذبذب يعكس هشاشة الأسواق الحالية أمام أي معلومة أو تسريب، ما يجعل اتخاذ القرارات الاستثمارية أمرًا بالغ الصعوبة.
الخلاصة
في ظل غياب خطاب اقتصادي موحد، يجد المستثمرون أنفسهم في دوامة من الضبابية. فإدارة ترامب لا ترسل إشارات واضحة: هناك من يتحدث عن الانفتاح على التفاوض، وآخرون يُشعلون فتيل التصعيد، وترامب نفسه يتحدث بأكثر من لغة. هذه الحالة ليست فقط محيّرة للأسواق، بل تُضعف الثقة وتدفع نحو مزيد من التقلبات. ومع اقتراب مواعيد حاسمة لتطبيق الرسوم، يبقى السؤال الأهم بلا إجابة: ماذا يريد ترامب حقًا؟
📩 اشترك الآن لتبقى على اطلاع بأحدث تحليلات مركب للأسهم الاستثمارية الواعدة – مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet