ترمب يلوّح بعزل باول... هل يتجه الدولار إلى نفق مظلم؟
في عالم المال، حيث يُمكن لتغريدة واحدة أن تغيّر اتجاه الأسواق، جاء تهديد دونالد ترمب بإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول كصاعقة ضربت الثقة في الدولار الأميركي، وأثارت موجة بيع واسعة في الأسواق المالية. ومع تزايد الحديث عن تدخل سياسي محتمل في قرارات البنك المركزي، بدأت التساؤلات تتصاعد: هل ما زالت الولايات المتحدة تُعد ملاذًا آمنًا للمستثمرين؟
الأسواق تتراجع والدولار يتقهقر
في جلسة باهتة بعد عطلة نهاية الأسبوع، تراجع مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 1%، مسجلًا أدنى مستوياته منذ أواخر عام 2023، في وقت ارتفع فيه الين الياباني إلى أعلى مستوى له منذ سبتمبر، وقفز اليورو إلى مستوى 1.15 دولار، وهو الأعلى منذ أكثر من ثلاث سنوات.
أما في أسواق الأسهم، فقد هبطت المؤشرات الأميركية بأكثر من 2%، مدفوعة بالقلق من أن عزل باول قد يُضعف استقلالية الفيدرالي، ويزيد من احتمالات الركود الاقتصادي.
عزل باول... التهديد وحده يزعزع الثقة
رغم صعوبة العزل قانونيًا، إلا أن مجرد تلميح ترمب بهذا التوجه أثار ذعر الأسواق. فقد صرّح باول سابقًا أنه لن يستقيل حتى لو طلب الرئيس منه ذلك، لكن الشكوك حول نوايا ترمب كافية لتقويض ثقة المستثمرين.
هيلين غيفن من "مونكس" كتبت:
"حتى التهديد بإقالة رئيس الفيدرالي يُعتبر مساسًا باستقلالية البنك المركزي، مما يُضعف مكانة الدولار كملاذ آمن."
أما إيان لينغن من BMO، فأكد أن أي محاولة لإقالة باول الآن ستُضيف ضغطًا سلبيًا كبيرًا على الأصول الأميركية.
السندات تُطلق إنذارًا... والمستثمرون يُسعّرون الخوف
شهدت سوق السندات تحركات متباينة؛ العوائد قصيرة الأجل ارتفعت، بينما تراجعت العوائد الطويلة. وسجّل الفارق بين عوائد سندات الـ30 عامًا وسندات السنتين ارتفاعًا لتسعة أسابيع متتالية، وهي سابقة لم تحدث سوى مرة واحدة منذ عام 1992.
كما شهدت سندات السنتين عمليات شراء قوية دفعتها إلى مستوى 3.71%، وهو الأدنى في الجلسة، بالتزامن مع الانخفاض الحاد في الأسهم.
صناديق التحوط تبدأ بالبيع... وتراجع في التفاؤل بالدولار
بحسب بيانات لجنة تداول السلع الآجلة، فإن صناديق التحوط باتت في أدنى مستويات تفاؤلها تجاه الدولار منذ أكتوبر الماضي. وبدأ بعضها بالبيع الكثيف عقب تصريحات كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، الذي أكد أن ترمب "يدرس بجدية" مسألة عزل باول.
غاريث بيري من Macquarie أوضح:
"الضغط السياسي على باول قد يكون السبب المباشر، لكن السياق العام خلال الأشهر الثلاثة الماضية يبرر استمرار البيع لفترة طويلة قادمة."
مؤسسات كبرى تُراجع مواقفها من السوق الأميركية
تزايدت التحذيرات من تآكل "الاستثنائية الأميركية"، وسط تحركات واضحة من مؤسسات مالية كبرى:
Citigroup: خفضت تقييمها للأسهم الأميركية.
Bank of America وBlackRock: أبدتا تحفظًا متزايدًا تجاه أداء الأسواق.
ويدور الحديث في الأوساط الاستثمارية حول تراجع المزايا التنافسية للولايات المتحدة في ظل الفوضى السياسية والمالية المتوقعة.
الأسواق تُسعّر انهيار الثقة قبل السياسات
التحليل الأعمق يُظهر أن ما يخشاه المستثمرون ليس تنفيذ تهديد عزل باول بحد ذاته، بل تأثيره الرمزي على:
استقلالية السياسة النقدية
مكانة الدولار العالمية
ثقة المستثمرين الأجانب في النظام المالي الأميركي
وفي الوقت الذي تسعّر فيه الأسواق ثلاث تخفيضات محتملة للفائدة خلال 2025، يُحذر بيل دادلي، الرئيس السابق للفيدرالي في نيويورك، من أن صناع السياسة النقدية قد يتحركون بوتيرة أبطأ مما يظنه المستثمرون.
الخلاصة
الأسواق لا تنتظر وقوع الأحداث، بل تُسعّر ما تتوقعه. واليوم، تبدو أميركا وكأنها فقدت بعضًا من هيبتها الاقتصادية على الساحة العالمية، وسط ضباب سياسي كثيف يُهدد الثقة في الدولار والسياسات النقدية معًا.
المرحلة القادمة قد تشهد ضعفًا متزايدًا للعملة الأميركية، مع انتقال بعض رؤوس الأموال إلى بدائل أكثر استقرارًا. وفي حال استمرت هذه الاتجاهات، فقد نكون أمام نقطة تحوّل حقيقية في المشهد المالي العالمي.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet