مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يعود دونالد ترامب إلى الساحة الاقتصادية بخطة جريئة: فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على معظم الواردات إلى الولايات المتحدة. هذا التوجه، الذي أُطلق عليه اسم "يوم التحرير"، يُروّج له كمفتاح للسيادة الاقتصادية وتبسيط السياسات التجارية، لكنه في جوهره يطرح تساؤلات عميقة حول التكلفة الحقيقية لهذه الإجراءات على الاقتصاد الأميركي والمستهلكين.
التقديرات تُظهر أن هذه الرسوم قد تُسبب ضررًا واسعًا للنمو، وترفع التضخم، وتؤثر على العلاقات التجارية العالمية، في وقتٍ تشهد فيه الأسواق بالفعل هشاشة متزايدة.
التأثير المتوقع على الناتج المحلي
سيناريوهات تأثير فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على الناتج المحلي لعدد من الدول، مع أخذ الردود الانتقامية بعين الاعتبار:
الولايات المتحدة: انخفاض بـ -0.32%، وقد يتفاقم إلى -0.62% مع ردود انتقامية.
كندا: الأكثر تضررًا بانخفاض قدره -2.06%.
المكسيك: تراجع بـ -1.12%.
الصين: تراجع طفيف جدًا بـ -0.02%.
بقية دول العالم: تراجع عام بـ -0.06%.
إجمالًا، يُتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بـ -0.24% في حال دخول العالم في دوامة الرسوم المتبادلة.
بين الخطاب السياسي والتكلفة الاقتصادية
يرى فريق ترامب أن فرض رسوم موحدة سيكون أسهل في التنفيذ، ويُقلل من الحاجة إلى استثناءات مرهقة. لكنه بالمقابل يرفع تعقيدات الاقتصاد الأميركي إلى مستويات غير مسبوقة:
قد ترتفع الرسوم الجمركية الإجمالية إلى 32.8%، وهو أعلى مستوى منذ عام 1872.
تقدّر مؤسسة Tax Foundation أن الخطة ستُضيف 2,045 دولارًا كتكلفة سنوية لكل أسرة.
وتشير Yale Budget Lab إلى أن التضخم قد يرتفع بأكثر من 2%، مع تراجع القوة الشرائية بين 3,400 و4,200 دولار للأسرة الواحدة، في حال لم يتدخل الاحتياطي الفيدرالي.
حتى الأصوات المؤيدة للخطة تُقر بأنها سترفع الأسعار وتُرهق ميزانيات العائلات.
ما دوافع ترامب من هذه السياسة الآن؟
الهدف المعلن بسيط: تحقيق إيرادات ضخمة وتمويل الحكومة من الرسوم بدلًا من الضرائب. ووفقًا لتصريحات بيتر نافارو، مستشار التجارة السابق، فإن الرسوم قد تولّد 700 مليار دولار سنويًا (100 مليار من السيارات، و600 مليار من السلع الأخرى).
لكن هذه التقديرات لا تأخذ بالحسبان ردود الفعل الدولية. إذا قررت الدول الأخرى الرد، فإن هذه العائدات قد تتراجع إلى أقل من النصف، مما يُضعف الجانب العملي للخطة.
سياسيًا، يَمنح هذا التوجه ترامب خطابًا قويًا: "أميركا أولًا" و"إعادة ولادة الاقتصاد الأميركي"، لكن هل تقبل الأسواق هذه الرواية؟
الأسواق في حالة ترقب.. والسياسيون ينتظرون التعثر
يشير أليكس جاكويز، المستشار الاقتصادي السابق في إدارة بايدن، إلى أن:
"حتى لو وفرت الرسوم يقينًا قصير الأجل، من الصعب أن تتقبلها الأسواق".
الأسواق تفضّل الوضوح، لكن ليس على حساب الكفاءة الاقتصادية. وإذا ما تعثّرت الخطة أو واجهت ردود فعل حادة من الشركاء التجاريين، فإنها قد تتحول إلى عبء انتخابي بدلًا من ورقة رابحة.
الخلاصة
رغم الوعود السياسية، فإن خطة الرسوم الجمركية الشاملة التي يقترحها ترامب تحمل في طيّاتها مخاطر اقتصادية ملموسة. من ارتفاع التضخم إلى تراجع القوة الشرائية، ومن اضطراب سلاسل التوريد إلى توتر العلاقات التجارية، تبدو تكلفة "التبسيط" باهظة.
قد تنجح الخطة في تحشيد القاعدة الانتخابية، لكنها قد تُعرّض الاقتصاد الأميركي، والأسواق العالمية، لدوامة من التعقيدات لا تُحل بسهولة.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني ولمعرفة آخر المستجدات في حرب ترامب التجارية.
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet