بكين أمام مفترق طرق اقتصادي.. فهل تنجح في كسر الاعتماد على واشنطن؟
هل تتحول الرسوم الجمركية إلى لحظة مفصلية في النظام التجاري العالمي؟
من داخل أروقة معرض كانتون الدولي، أقدم وأكبر منصة تجارية في الصين، كان المشهد مختلفًا هذا العام: بدلًا من التوسّع في العقود والتصدير، يسود القلق والتخفيضات والغياب الأميركي الملفت. لقد وصلت الرسوم الجمركية الأمريكية إلى ذروتها، ومعها بدأت ملامح تفكك نظام "صُنع في الصين" الذي ساد لعقود.
طوفان الرسوم يعصف بالمصدرين الصينيين
عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض حملت معها موجة من الرسوم الجمركية الجديدة، وصلت إلى 145% تراكمية على معظم واردات الصين. شركة Paul McGrath الأمريكية كانت من أولى الضحايا، حيث أُضيف 5000 دولار على شحنة واحدة خلال عبورها قناة بنما بسبب رسوم مفاجئة.
الرسم يوضّح كيف تحوّلت حصيرة سيارة بسعر 6 دولارات إلى منتج يُباع بـ89.99 دولار بعد الرسوم الجمركية وهامش البيع بالتجزئة.
تسريح بالجملة وتحوّل استراتيجي إلى جنوب شرق آسيا
بحسب مسؤولي الشحن في المعرض، فإن 70% من الشحنات إلى أمريكا تم تعليقها أو إلغاؤها بعد الإعلان عن الرسوم. النتيجة كانت تسريحات واسعة في شركات التصدير، وإغلاق خطوط إنتاج.
لكن المشهد لا يخلو من بدائل، إذ بدأت مصانع صينية بنقل نشاطها إلى فيتنام وتايلاند وماليزيا، في سباق مع مهلة الإعفاء المؤقت البالغة 90 يومًا التي منحها ترمب لدول "الصديقة".
الرسم يُظهر تصدر كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان في ضخ الاستثمارات داخل فيتنام، ما يُعزز موقعها كبديل رئيسي للصين في سلاسل التوريد.
المصنعون الغربيون يعيدون تموضعهم
شركات مثل Forno الكندية، التي كانت تستورد 6000 حاوية من الصين سنويًا، نقلت إنتاجها إلى ماليزيا بالكامل. شركات أخرى، بما فيها أميركية، بنت مصانع كاملة داخل الصين ثم شحنتها إلى دول أخرى لتفادي الرسوم الأميركية.
يقول Jason، مدير شركة أميركية لمنتجات الأطفال:
"أقمنا مصنعًا في ماليزيا قبل الانتخابات. اليوم، نصدر من هناك لأمريكا، ومن الصين لباقي العالم."
الرسم يُبرز اعتماد الولايات المتحدة على الصين بنسبة 73% في استيراد الهواتف، و70% للبطاريات، و86% لأجهزة الألعاب، مما يجعل قطاع الإلكترونيات من أكثر المتضررين.
تراجع ملحوظ في الشحن البحري الصيني
تُظهر بيانات وزارة النقل الصينية انخفاضًا في حركة الشحن بنسبة 10% خلال أسبوع، بينما تراجع حجم البضائع بنسبة 4% مقارنة بالعام الماضي. وبينما صمد الشحن الجوي مؤقتًا، فإن الهبوط في الشحن البحري يُعد إشارة أولية لتباطؤ كبير قادم.
الرسم يُوضح انخفاض حركة البضائع من الموانئ الصينية رغم استقرار نسبي في الشحن الجوي.
التداعيات تطال الجميع… من الصين إلى الشركات الأميركية
الرسوم لم تضرب الصين فقط، بل بدأت تصيب الشركات الأميركية التي تعتمد على المنتجات الصينية، بما فيها شركات كبرى مثل Boeing التي أوقفت بعض طلباتها. وفي المقابل، نجحت شركات مثل Apple في تأمين إعفاءات جمركية خاصة، ما سلط الضوء على فجوة واضحة بين الشركات الكبيرة والصغيرة في القدرة على التعامل مع التغييرات.
يقول أحد التجار:
"نحن لا نملك تيم كوك ليتحدث نيابة عنا في واشنطن."
الخلاصة
ما يجري اليوم في معرض كانتون ليس مجرّد انكماش في الطلب، بل إعادة رسم لملامح التجارة العالمية. الرسوم التي بدأت كأداة تفاوض تحوّلت إلى سياسة دائمة، ومعها تتغيّر سلاسل التوريد، وتنتقل المصانع، وتُعاد كتابة قواعد الربح والخسارة.
في لحظة يبدو فيها الاقتصاد العالمي هشًا، من الواضح أن تأثير ترمب على التجارة لم يعد يُقاس فقط بالأرقام، بل بالتحولات الاستراتيجية التي تدفع العالم نحو عصر ما بعد العولمة... حيث لم تعد الصين محور كل شيء.
📬 هل تود متابعة آخر تطورات الحرب التجارية؟ اشترك الآن في نشرة مركب
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet