قرارات بلا وضوح.. إدارة ترمب تُربك المستثمرين بخصوص رسوم التكنولوجيا الحساسة
في الوقت الذي يترقب فيه المستثمرون صيفًا مضطربًا على صعيد السياسة الاقتصادية الأميركية، عادت إدارة الرئيس دونالد ترمب لتُشعل حالة جديدة من الفوضى، بعد سلسلة من التصريحات المتضاربة حول إعفاءات جمركية مؤقتة على منتجات إلكترونية رئيسية. التناقض في الرسائل الحكومية أحدث ارتباكًا في الأسواق العالمية، وأعاد إشعال المخاوف من انزلاق الاقتصاد الأميركي نحو ركود محتمَل.
إعفاءات تكنولوجية… ثم نفي مباشر
بدأت القصة مساء الجمعة، حين أعلنت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية عن إعفاءات مؤقتة تشمل الهواتف الذكية، الحواسيب المحمولة، الرقائق الإلكترونية، والمكونات الدقيقة، ما فُهم على أنه تخفيف للضغوط الجمركية على شركات مثل Apple وNvidia. الأسواق استقبلت الإعلان بارتياح حذر، واعتبره البعض مؤشرًا على تليين في موقف إدارة ترمب تجاه قطاع التكنولوجيا.
لكن بعد أقل من 48 ساعة، تبدّد التفاؤل سريعًا:
وزير التجارة هاورد لوتنيك صرّح بأن الإعفاءات "مؤقتة"، وستُستبدل برسوم قطاعية "خلال شهر أو اثنين".
ترمب نفسه نفى وجود إعفاءات من الأصل، موضحًا أن المنتجات "تنتقل فقط إلى سلة رسوم جديدة" قيد التحقيق ضمن مسار "الأمن القومي وسلاسل التوريد للإلكترونيات".
هذا التخبط عزّز شعور الأسواق بأن القرارات تصدر من دون استراتيجية واضحة أو تنسيق داخلي.
الصين تردّ بحدة... والمعادن النادرة تدخل المعركة
بكين لم تتأخر في الرد، فأعلنت عن رفع الرسوم الجمركية على السلع الأميركية إلى 125%، وفعّلت رسميًا قيودًا على تصدير المعادن النادرة والمغانط عالية الكثافة — وهي مكونات حيوية تُستخدم في صناعة السيارات، الإلكترونيات، الدفاع، والطائرات.
هذه المواد تُنتجها الصين بنسبة تفوق 90% من الإنتاج العالمي، وأي تعطيل في الإمداد يُهدد بإرباك سلاسل التوريد الأميركية، خاصة في الصناعات الدقيقة والمرتفعة القيمة.
تقارير ميدانية كشفت أن الشحنات توقفت بالفعل في موانئ صينية، في خطوة يبدو أنها تستهدف شركات مرتبطة بصناعة الدفاع الأميركية.
الأسواق في حالة ذهول… والمستهلك على حافة الخطر
مع استمرار التخبط السياسي، ارتفع متوسط الرسوم الجمركية الفعلية في الولايات المتحدة من 22.5% إلى 27% خلال أيام قليلة، بحسب تقديرات Yale Budget Lab. ويواجه المستثمرون الآن صعوبة في استشراف الخطوة التالية، ما يُلقي بظلاله على ثقة المستهلك.
نيل دوتا، كبير الاقتصاديين في "Renaissance Macro"، حذّر من أن "تأجيل القرارات لا يعني حل الأزمة"، مضيفًا أن المستهلكين يتجهون للادخار لا للإنفاق، وهو ما يُضعف النمو.
قطاع السفر بدوره بدأ يشعر بالضغط؛ إذ حذّرت شركات السياحة الأوروبية من انهيار الحجوزات إلى أميركا، مع تصاعد نبرة الحماية التجارية تجاه الاتحاد الأوروبي.
ضربة جديدة للمزارعين… وصادرات الصويا في مهبّ الريح
ضمن الردود الصينية، أعلنت بكين عن رسوم جديدة بنسبة 135% على واردات الصويا الأميركية، ما يهدد بالقضاء على قدرة المزارعين الأميركيين على التصدير إلى السوق الصينية.
هذا القرار يعيد إلى الأذهان أزمة عام 2018، عندما خسرت الزراعة الأميركية مليارات الدولارات في أعقاب الجولة الأولى من الحرب التجارية.
في ظل سعي بكين لتحويل وارداتها إلى البرازيل وأسواق بديلة، يواجه المزارعون الأميركيون شتاءً اقتصاديًا قاسيًا، وسط تضاؤل فرص الدعم السياسي الفعّال.
الخلاصة
ما شهدته الأسواق خلال الأيام الأخيرة هو نموذج مصغّر للفوضى الأكبر التي تهدد الاقتصاد الأميركي. فبين إعفاءات مؤقتة تُلغى أو تُعدّل، وردود صينية استراتيجية تمتد من الرسوم إلى المعادن النادرة، تتعمّق الفجوة بين الإدارة الأميركية والمستثمرين.
غياب وضوح السياسات، وتعدّد الجهات الناطقة باسم القرار، يفتح المجال لمزيد من القلق ويبعث رسالة سلبية إلى كل من يراهن على الاستقرار الاقتصادي. من قطاع التكنولوجيا إلى الزراعة، ومن الاستهلاك المحلي إلى التجارة العالمية — الجميع الآن في مرمى هذه الحرب الجمركية المتصاعدة.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب حول أسواق التكنولوجيا والتجارة العالمية مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet