يشعر الملياردير جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان تشيس" – أكبر بنك في الولايات المتحدة – بالقلق من إشارات مقلقة في الاقتصاد الأمريكي. في مقابلة حديثة مع بلومبيرغ، حذّر دايمون من أزمة اقتصادية تهدد الاقتصاد الأمريكي، تتجسد في عجز فدرالي يبلغ حوالي 35 تريليون دولار. هذا العجز الذي تطور على مدى أجيال أصبح الآن من المستحيل تجاهله.
يشير دايمون إلى أن العجز الحالي (السنوي) يعادل 7% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، مقارنة بنسبة 3.5% خلال فترة بول فولكر في الثمانينات، عندما كان الدين العام يمثل 35% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. أما اليوم، فقد تجاوز الدين الأمريكي 100% من الناتج المحلي، مما يجعله أكبر عجز يشهده التاريخ في فترة السلم. وفقًا لدايمون، "بطبيعتها، العجوزات تؤدي إلى التضخم، وفي مرحلة ما، يجب أن نتعامل مع هذه المشكلة".
يشعر دايمون بالقلق من أن الولايات المتحدة قد تقترب من نقطة اللاعودة، حيث تتصاعد مستويات العجز بشكل مستمر منذ عام 2001، وقد تجاوزت 1.8 تريليون دولار حتى الآن في عام 2024. وعلى الرغم من قوة الاقتصاد الأمريكي الظاهرة – مثل النمو المستمر في الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض معدل البطالة إلى حوالي 4.1% – إلا أن هذا العجز الضخم ينذر بعاصفة اقتصادية قد تزداد سوءًا إذا لم يتم التحكم فيها.
عرض خاص: تخفيض 20% على الاشتراك للمشتركين الأوائل!
كعربون شكر لدعمكم المستمر، نقدم خصمًا حصريًا بنسبة 20% على الاشتراك المدفوع للمشتركين الأوائل. اشترك الآن واستفد من الخصم قبل انتهاء العرض!
تأثير العجز المتزايد على الاقتصاد الأمريكي
تُظهر المؤشرات أن الدين العام الأمريكي يزداد بوتيرة أسرع من النمو الاقتصادي، وهو ما يزيد من قلق المستثمرين. وفقًا لدايمون، استمرار الحكومة في مراكمة الديون قد يؤدي إلى فقدان الثقة من قبل المقرضين الأجانب، مما سيدفعهم إلى المطالبة بمعدلات فائدة أعلى، ما يؤدي إلى تدهور قيمة السندات الحالية ويطلق أزمة مالية.
وليس هذا فحسب؛ من المتوقع أن يتجاوز الإنفاق على الفوائد الإنفاق على الدفاع والرعاية الصحية بحلول عام 2024، ويصبح أكبر بند في الميزانية الفيدرالية بحلول عام 2050، مما سيزيد من حجم الدين الإجمالي للولايات المتحدة مثل شخص يعلق في دين بطاقة ائتمان، حيث تتراكم الفوائد وتتفاقم الأعباء المالية.
نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي
يعتبر دايمون نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مؤشرًا رئيسيًا لقياس قدرة البلاد على سداد ديونها، حيث بلغت هذه النسبة في الولايات المتحدة 123% في الوقت الحالي، وهي من أعلى المستويات على الإطلاق. بالمقارنة، كانت هذه النسبة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات حوالي ثلث هذه النسبة. ويعتقد دايمون أن العواقب المحتملة لهذا الوضع ستكون كارثية، حيث يمكن أن تؤدي إلى أزمة اقتصادية أشد حدة من الأزمات السابقة، وتضعف قدرة الحكومة على الاستدانة لتخفيف الأزمات.
خيارات الحد من العجز المالي
لمواجهة هذه الأزمة، توجد ثلاث خيارات أمام الحكومة الأمريكية للحد من العجز المالي:
السيطرة على التضخم: رغم أن التضخم قد انخفض من ذروته الأخيرة، إلا أن دايمون يحذر من أن العالم قد يدخل فترة تضخم طويلة الأجل بسبب مجموعة من العوامل الهيكلية، بما في ذلك التضخم الناتج عن إعادة التسليح العالمي، والعجز المالي، والتوجه نحو الاقتصاد الأخضر، والتغيرات الديموغرافية.
تقليل الإنفاق الحكومي: قد يبدو هذا الخيار بسيطًا، لكنه في الواقع صعب التنفيذ بسبب الحساسية السياسية لبعض البرامج الحكومية، مثل الرعاية الاجتماعية والصحية. تقليل الإنفاق الحكومي يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تباطؤ اقتصادي وزيادة البطالة.
زيادة الضرائب: هذا الخيار غير محبوب سياسيًا، لأن زيادة الضرائب تواجه دائمًا معارضة من المواطنين وتؤدي إلى فقدان السياسيين لشعبيتهم. وبالنظر إلى المناخ السياسي المتوتر في الولايات المتحدة، فإن تمرير تشريعات ضريبية جديدة يبدو مهمة شبه مستحيلة.
تأثير العجز على الأصول المختلفة على المدى الطويل
على المدى الطويل، يمكن أن يكون للعجز الفيدرالي المستمر تأثير عميق ومستدام على الأصول المالية. فعندما يرتفع العجز، يصبح الاقتصاد عرضة لضغوط تضخمية دائمة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير. هذا الارتفاع المستمر في الفائدة قد يُثقل كاهل الشركات التي تعتمد على الاقتراض للتوسع، مما يضعف من قدرتها على النمو ويرفع تكاليف التمويل، الأمر الذي يؤثر سلبًا على أسهم النمو المثقلة بالديون بشكل خاص، ولكن الصورة تبدو معاكسة تمامًا بالنسبة للشركات ذات القوائم المالية القوية والتي تمتلك قوة تسعيرية، فهي المستفيد الأكبر والمستثمرون الصبورون يحصدون النتائج..
بالنسبة إلى سوق السندات، فالعجز المتزايد قد يؤدي إلى تآكل الثقة في قدرة الحكومة على سداد ديونها، مما قد يدفع المستثمرين للمطالبة بعوائد أعلى على السندات الحكومية لتعويض المخاطر المتزايدة. بمرور الوقت، قد يصبح عبء خدمة الدين ضخمًا، حيث يلتهم جزءًا كبيرًا من الميزانية الفيدرالية، ما قد يدفع إلى تراجع قيمة السندات ويُبقي العوائد مرتفعة، مما يُثقل المحافظ الاستثمارية التي تعتمد على السندات كمصدر رئيسي للدخل الثابت.
أما الأصول الحقيقية، مثل العقارات والذهب، فقد تشهد على المدى الطويل إقبالاً متزايدًا من قبل المستثمرين الذين يسعون للتحوط ضد التضخم المتزايد وفقدان الدولار لقيمته الشرائية. وبالنسبة للذهب، بصفة خاصة، فإنه يعد من الأصول التي تحتفظ بقيمتها في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، مما يجعله خيارًا مفضلًا للتحوط ضد تآكل القوة الشرائية للعملة.
كذلك، العملات الأجنبية قد تستفيد على المدى الطويل، حيث إن تراكم العجز وارتفاع الدين العام يمكن أن يضعف الثقة في الدولار الأمريكي كعملة احتياطية. هذا قد يدفع المستثمرين الدوليين إلى تنويع حيازاتهم النقدية بالاعتماد على عملات بديلة، مثل اليورو أو الين الياباني، ما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار بمرور الوقت.
ماذا ننصح المستثمر الذكي؟
في ظل هذه التحديات الاقتصادية والعجز المتزايد، يجب على المستثمر الذكي أن يتبنى استراتيجية حذرة وتخطيطًا مستدامًا يراعي التقلبات الاقتصادية المحتملة. الابتعاد التام عن الأسواق ليس الحل الأمثل، إذ يمكن أن تفوت بذلك فرص استثمارية جيدة، خاصة في أوقات التقلبات، حيث تتاح فرص لشراء الأصول بأسعار مغرية. وبدلاً من ذلك، يمكن اتباع النصائح التالية لضمان استثمار آمن ومستدام:
تنويع المحفظة الاستثمارية: التركيز على تنويع الأصول لتشمل استثمارات في أسواق مختلفة وقطاعات متعددة، مثل الأسهم، والسندات، والمعادن النفيسة، والعقارات. هذا التنوع يساعد في تقليل المخاطر وحماية المحفظة من التقلبات الحادة.
الاستثمار في الشركات ذات الأصول القوية: اختيار الشركات ذات المركز المالي القوي والتي لديها تاريخ طويل من الأداء المستقر حتى في أوقات الأزمات. يُنصح بالبحث عن الشركات التي تمتلك أصولًا قوية وتدفقات نقدية مستقرة، مما يجعلها أكثر قدرة على التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة.
التركيز على الأصول الحقيقية: في ظل احتمال ارتفاع التضخم، يمكن أن تكون الأصول الحقيقية، مثل العقارات والمعادن الثمينة كالذهب، وسيلة للتحوط ضد انخفاض قيمة العملة. هذه الأصول عادةً تحافظ على قيمتها وتعتبر ملاذًا آمنًا في فترات الاضطراب المالي.
الحفاظ على السيولة: من المهم أن يكون لدى المستثمرين نسبة من الأصول السائلة في محافظهم، كالنقد أو الاستثمارات ذات السيولة العالية، ليتمكنوا من الاستجابة بسرعة لأي فرص استثمارية تظهر، أو لحماية أموالهم في حال تدهور السوق.
الاستثمار بعيد المدى: التفكير على المدى الطويل والتغاضي عن التقلبات اليومية في الأسواق. في أوقات الأزمات، يُعد المستثمرون الذين يتحلون بالصبر هم الأكثر قدرة على تحقيق عوائد إيجابية على المدى البعيد، حيث أن السوق غالبًا ما يتعافى بمرور الوقت.
مراقبة التغيرات الاقتصادية والسياسية: من المهم أن يبقى المستثمر على اطلاع دائم بالتطورات الاقتصادية والسياسية، وخاصة ما يتعلق بسياسات الحكومة والفيدرالي الأمريكي، والتي قد تؤثر على أسعار الفائدة والتضخم. اتخاذ قرارات استثمارية مبنية على الفهم العميق لهذه العوامل يمكن أن يعزز أداء المحفظة.
التأهب للتكيف: في بيئة اقتصادية غير مستقرة، يجب على المستثمر الذكي أن يكون مرنًا وقادرًا على تعديل استراتيجيته وفقًا للظروف. إذا ظهرت إشارات تحذيرية واضحة، قد يكون من الحكمة إعادة توزيع الأصول أو التركيز على الأصول الدفاعية.
الخاتمة: مستقبل الاقتصاد الأمريكي في خطر
تحذير دايمون واضح: كلما تأخر الحل، زادت المخاطر على المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة. الحل الأمثل يتطلب اتخاذ إجراءات استباقية قبل أن تصبح الأزمة الاقتصادية أمرًا واقعًا لا يمكن تجنبه. بالنسبة للمستثمر الذكي، فإن الوضع الحالي يتطلب استراتيجية استثمارية متوازنة تجمع بين الحذر والمرونة، مع مراقبة دقيقة للتغيرات الاقتصادية والسياسية والاستفادة من الفرص المتاحة بعناية.