لماذا لن تنمو الهند مثل الصين؟
في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت اقتصادات الصين والهند بحجم متقارب نسبيًا. ومع ذلك، تمكنت الصين من تحقيق تقدم كبير جعل اقتصادها أكبر بخمس مرات من اقتصاد الهند. ولكن مع تباطؤ الاقتصاد الصيني وسعي الشركات الغربية لنقل مصانعها إلى أماكن أخرى، يطرح السؤال: هل يمكن أن يكون دور الهند الآن لتحقيق معجزة النمو الخاصة بها؟
الفروقات الأساسية بين النموذجين الصيني والهندي
لشرح أسباب التفوق الصيني، نعتمد على مقالات ودراسات لاثنين من أبرز الاقتصاديين الهنود: البروفيسور راغورام راجان والبروفيسور ديفيش كابور. وفقًا لهؤلاء الخبراء، لم تكمن المشكلة الأساسية في أن الهند لم تعرف ما يجب فعله، بل في فشلها في تنفيذ استراتيجيات الصين بشكل صحيح بسبب بنيتها السياسية الفريدة. فالحكومات المحلية في الهند غالبًا ما تُفضل المصالح المحلية على المصلحة العامة، مما يجعل من المستحيل تحقيق نفس مسار النمو الذي شهدته الصين.
لماذا تفوقت الصين؟
في أواخر السبعينيات، كان لدى العمال الصينيين مستويات تعليم أساسي أفضل من نظرائهم الهنود، مما ساعد الصين على:
جذب مصانع أجنبية: احتاجت هذه المصانع إلى عمالة مدربة تمتلك تعليمًا أساسيًا لفهم التعليمات البسيطة.
تمكين العمال من إنشاء شركاتهم الخاصة: أدى ذلك إلى دفع عجلة الاقتصاد لمستويات أعلى في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
لكن التعليم وحده لم يكن كافيًا. تبنت الصين ثلاثة مكونات رئيسية للنمو الاقتصادي:
تحرير الاقتصاد: سمحت الصين للمشروعات الخاصة والأجنبية بالدخول إلى السوق.
النموذج القائم على الاستثمار: ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية والأصول الإنتاجية.
جذب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI): ساعد جذب المصانع الأجنبية على نقل المعرفة وتوفير العملة الصعبة.
النموذج الأمريكي للنمو الاقتصادي
تعود جذور نموذج النمو الصيني إلى ما يُعرف بـ"النظام الأمريكي" الذي وُضع في أوائل القرن التاسع عشر بناءً على أفكار وزير الخزانة الأمريكي الأول ألكساندر هاملتون. شمل هذا النموذج ثلاثة عناصر رئيسية:
حماية الصناعات الناشئة: فرض رسوم جمركية لحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية.
التحسينات الداخلية: الاستثمار في البنية التحتية مثل الطرق والقنوات والسكك الحديدية.
نظام مالي قوي: تخصيص رأس المال للمشروعات الجديدة وتشجيع الابتكار.
الفوائد والتحديات
ساهم هذا النموذج في نجاح الولايات المتحدة في تحقيق نمو اقتصادي مستدام. ومع ذلك، حذر العديد من الاقتصاديين، مثل مايكل هدسون، من أن الإفراط في الإنفاق على البنية التحتية أو تقديم دعم كبير للشركات الكبرى قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
في المقابل، يُظهر التاريخ أن الدول التي اعتمدت الحماية التجارية والاستثمار الحكومي في البنية التحتية، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، نجحت في تحقيق مستويات نمو مرتفعة. ولكن الدول التي اعتمدت هذه السياسات دون ضمان المنافسة الداخلية والابتكار، مثل الاتحاد السوفيتي والبرازيل، عانت من تباطؤ اقتصادي طويل الأمد.
التطبيق في الصين..
اتبعت الصين نموذج النمو القائم على الاستثمار، الذي اعتمد على ضخ استثمارات هائلة في البنية التحتية والأصول الإنتاجية لتعويض نقص الموارد. لتحقيق ذلك:
توجيه الائتمان البنكي: أمرت الصين بنوكها المحلية والمملوكة للدولة بتوجيه القروض نحو مشروعات البنية التحتية والتصنيع.
تحفيز الاستثمار الأجنبي: جعلت البنية التحتية المحسنة الصين وجهة جذابة للمصانع العالمية.
لماذا لم تستطع الهند اتباع النموذج الصيني؟
كانت الحكومات المحلية الصينية تتمتع بحوافز قوية لتحفيز الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي، حيث ارتبطت ترقيات المسؤولين بمدى نجاحهم في تحقيق النمو الاقتصادي. في المقابل، واجهت الحكومات المحلية الهندية قيودًا بيروقراطية ونقصًا في الحوافز.
رغم أن الهند حاولت تطبيق نفس النموذج عبر تحرير اقتصادها في التسعينيات، إلا أنها فشلت في تحقيق نفس النتائج للأسباب التالية:
نقص الحوكمة المحلية: الحكومات المحلية في الهند تعاني من نقص في الكفاءة والموارد مقارنة بالصين.
الفساد وسوء إدارة الموارد: ذهبت القروض إلى رجال أعمال متنفذين بدلاً من استخدامها بطرق إنتاجية.
النظام الطبقي: أثر النظام الطبقي على كفاءة الحكومات المحلية، مما أدى إلى إعاقة تنفيذ السياسات.
التحديات الحالية للحكومات المحلية في الهند
حدد البروفيسور ديفيش كابور ثلاثة أسباب رئيسية لفشل الحكومات المحلية في الهند:
نقص الكوادر البشرية: تعاني الحكومات المحلية من نقص في الموظفين مقارنة بالحكومات المركزية.
النظام الطبقي: يؤدي النظام الطبقي إلى ترك الوظائف شاغرة أو تنفيذ السياسات بشكل غير فعال.
الديمقراطية المبكرة: أصبحت الهند ديمقراطية قبل أن تكون مستعدة تمامًا لذلك، مما أدى إلى اختلالات في تقديم الخدمات العامة.
هل هناك أمل للهند؟
بالرغم من التحديات، هناك أسباب تدعو للتفاؤل بمستقبل الهند:
تحسين البنية التحتية الرقمية والمالية: شهدت الهند تطورًا ملحوظًا في هذا المجال.
تعزيز التعليم الأساسي: مع تحسن القدرات المحلية، يمكن أن يتحسن التعليم الأساسي، مما يفتح المجال أمام ملايين الهنود للوصول إلى موارد تعليمية ضخمة عبر الإنترنت.
توجه الشركات العالمية نحو الهند: مع بحث الشركات عن بديل للصين، تمتلك الهند فرصة كبيرة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
خاتمة
بينما قد لا تتمكن الهند من تكرار النموذج الصيني بسبب اختلاف الهياكل السياسية والاجتماعية، إلا أنها تمتلك الإمكانات لتحقيق نموذج نمو فريد خاص بها. من خلال التعاون بين الحكومات المحلية والمركزية، يمكن للهند أن تسير على خطى الدول الديمقراطية الكبرى مثل الولايات المتحدة، التي حققت نموًا تدريجيًا ولكنه مستدام على المدى الطويل. ومع تحسن القدرات المحلية، قد تكون الهند على أعتاب مرحلة جديدة من التقدم الاقتصادي.