من مائدة العشاء إلى سياسة التكنولوجيا.. لقاء مارالاغو يُعيد تشكيل مصير رقائق إنفيديا
في لحظة مفصلية تجمع بين عالم التكنولوجيا والسياسة، تراجعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطة حظر كانت ستُحدث زلزالًا في ساحة الذكاء الاصطناعي العالمي، وتحديدًا في علاقة شركة Nvidia بسوق الصين. السبب؟ عشاء خاص في منتجع "مارالاغو" بين ترمب والرئيس التنفيذي لـ Nvidia، جنسن هوانغ. هذا التراجع يحمل في طياته الكثير من الدلالات للمستثمرين، ولمستقبل المنافسة الجيوسياسية في قطاع الذكاء الاصطناعي.
شرائح H20: جوهرة الذكاء الاصطناعي "الرخيص"
في قلب هذه القصة نجد شريحة H20 من Nvidia – وهي نسخة معدلة وضعيفة الأداء مقارنة بمعالجات AI الرائدة مثل H100 أو H200، لكنها تمثل خط الدفاع الأخير لسوق الصين في مواجهة القيود الأميركية.
ورغم كونها مقيدة، إلا أن هذه الشريحة باتت العصب التشغيلي لنموذج الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة الذي تتبناه شركات صينية ناشئة مثل DeepSeek، فضلًا عن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل ByteDance وAlibaba وTencent.
بحسب تقرير "The Information"، تجاوزت قيمة الطلبات على شرائح H20 حاجز 16 مليار دولار خلال الربع الأول فقط من عام 2025، مما يعكس اعتمادًا كبيرًا من السوق الصيني على ما تبقى من تقنيات Nvidia المسموح بها.
تصعيد كان وشيكًا… وعشاء يُغيّر كل شيء
قبل أيام، كانت إدارة ترمب تستعد لتوسيع القيود على صادرات Nvidia إلى الصين، بما يشمل شريحة H20. هذه الخطة ورثتها الإدارة من عهد بايدن، وسط ضغوط متزايدة من مشرعين جمهوريين وديمقراطيين، يدفعون نحو وقف تام لأي تصدير لتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى بكين.
لكن وفقًا لتقرير خاص لشبكة NPR، تغيّر كل شيء بعد لقاء غير رسمي في منتجع "مارالاغو"، حيث حضر جنسن هوانغ عشاءً خاصًا مع الرئيس ترمب. وأفادت مصادر قريبة من الملف أن الرئيس تأثر بمبررات Nvidia، لا سيما التزامها باستثمارات جديدة داخل الولايات المتحدة في مجال مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وهو ما دفع الإدارة إلى تجميد القيود مؤقتًا.
الاقتصاد والسياسة على مائدة واحدة
هذا التراجع المفاجئ يُسلّط الضوء على مشهد بالغ الحساسية:
"عندما يمكن لعشاء خاص بين رئيس شركة تكنولوجية والرئيس الأميركي أن يعيد صياغة سياسة وطنية تتعلق بالأمن القومي، فإننا أمام معادلة جديدة تمامًا في إدارة التكنولوجيا."
حتى لحظة كتابة هذا المقال، لم تُصدر Nvidia أو البيت الأبيض أي تعليق رسمي على الخبر، لكن السياق واضح: موازين القوة في قطاع الذكاء الاصطناعي تتشكّل في غرف مغلقة، وليس فقط عبر تشريعات وقوانين.
التأثيرات المباشرة على المستثمرين
بالنسبة للأسواق والمستثمرين، فإن هذا القرار يحمل رسائل مركّبة:
فرصة تنفّس للصين:
استمرار تدفق شرائح H20 يمنح الشركات الصينية فرصة لتمديد عملياتها، وإن كان ذلك ضمن هامش زمني ضيق قد يُغلق في أي لحظة.تعزيز لمكانة Nvidia:
قدرة الشركة على الحفاظ على قنواتها التصديرية، والموازنة بين متطلبات الإدارة الأميركية وعملائها في الصين، يمنحها مرونة استراتيجية ويعزز من ثقة المستثمرين فيها.عدم استقرار في البيئة الجيوسياسية:
التوتر الأميركي الصيني لم ينتهِ، بل يراوح مكانه. هذا التراجع ليس سوى تأجيل مؤقت، وقد تنقلب الأمور مجددًا إذا تغيّر مزاج ترمب أو طالبه الكونغرس بإجراءات أكثر صرامة.
الخلاصة:
عشاء مارالاغو لم يكن مجرد حدث اجتماعي، بل لحظة مفصلية أوقفت مؤقتًا موجة تصعيد كانت ستُغيّر مستقبل الذكاء الاصطناعي في الصين. إن قرار ترمب بالتراجع عن حظر شرائح H20 من Nvidia يُعتبر هدنة تقنية في حرب تكنولوجية مفتوحة. لكنه في الوقت ذاته، يُظهر هشاشة السياسة التجارية عندما تُبنى على اعتبارات لحظية، وليس على استراتيجيات مؤسساتية متماسكة.
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد قطاع تقني، بل ساحة صراع جيوسياسي. وبينما يراقب المستثمرون فرصهم، يبقى السؤال مفتوحًا: كم مرة يمكن للعشاء أن يُغيّر قواعد اللعبة؟
📬 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet