من المتاجر الشعبية إلى كبرى الشركات.. الرسوم الجمركية تضرب الأميركي في كل زاوية
بينما يُلمّح الرئيس دونالد ترمب إلى استعداد للتفاوض مع الصين، فإن المشهد الاقتصادي على الأرض يشير إلى تصعيد لا هوادة فيه. فمع رسوم جمركية قد تصل إلى 245% على الواردات الصينية، بدأت تداعيات القرار تتسلل بصمت إلى تفاصيل الحياة اليومية للمستهلك الأميركي، من منتجات الأطفال ومستحضرات التجميل، إلى ألعاب الفيديو والمأكولات الشعبية في أحياء تشاينا تاون.
سنسلّط الضوء على التأثيرات المباشرة للسياسات التجارية على الشركات الصغيرة، والمجتمعات الثقافية، والقطاعات الأكثر هشاشة في الاقتصاد الأميركي.
شركات التجميل... e.l.f في عين العاصفة
شركة e.l.f. Beauty (ELF)، التي تألقت بعد جائحة كورونا، تواجه اليوم أقسى اختبار لها، مع تعرض 80% من منتجاتها المصنعة في الصين لرسوم قد تصل إلى 245%.
النتيجة كانت درامية: سقوط السهم بنسبة 68% خلال عام واحد، ما فتح الباب أمام شركات عملاقة مثل L'Oréal (OR.PA) لاقتناص الحصة السوقية.
مدير "لوريال" أكد خفض الاعتماد على التصنيع الصيني إلى 20% فقط في علامات مثل NYX، مما يضعها في موقع تنافسي أفضل داخل السوق الأميركي إذا استمر التصعيد.
الشركات الصغيرة التي اعتمدت على الصين في سلاسل التوريد، دون بدائل محلية، تبدو اليوم مهددة بالاندثار أو التقلص الحاد في أعمالها.
تشاينا تاون... الأثر الصامت في قلب المجتمعات
في تشاينا تاون بنيويورك، حيث يشكّل الاقتصاد الثقافي شريان حياة للآلاف، بدأت الأسعار تقفز بوتيرة صادمة.
عبوة بسكويت الأرز قفزت من 4.99 إلى 6.99 دولار في أسبوع، ناهيك عن السلع الأخرى مثل الأعشاب الطبية والمعكرونة والمجوهرات الثقافية.
"قد نخسر زبائننا"، تقول جاسمين باي، مديرة متجر Sun Vin، "وقد يضطرون ببساطة لشراء كميات أقل من الطعام".
تلك المجتمعات لم تستفد من "فترة التهدئة" التي منحها ترمب لدول أخرى، حيث بقيت الحرب الجمركية مع الصين في ذروتها، وهو ما أضر بشدة بالمتاجر الصغيرة المعتمدة على واردات ثقافية تقليدية.
ألعاب الفيديو... قطاع خلف الستار يُراقب بصمت
في قطاع الألعاب الإلكترونية، لا تُذكر الرسوم في العناوين الرئيسية، لكن القلق في الكواليس كبير.
العديد من شركات التطوير تعتمد على فرق عمل في الصين والهند، أو على خدمات تعهيد (outsourcing) لتقليل التكاليف.
في حال توسعت الرسوم لتشمل الخدمات الرقمية أو البرمجيات، قد تضطر الشركات لنقل عملياتها أو تأجيل الإطلاقات، مما يؤثر سلبًا على النمو في أحد أكثر القطاعات الرقمية ربحية.
منتجات الأطفال... خطر على الأسر والمصنعين
بحسب أسوشيتد برس، فإن 90% من مستلزمات الأطفال يتم إنتاجها في آسيا، وخاصة الصين.
شركة Munchkin الأميركية، المتخصصة في منتجات الرضّع، بدأت تجميد التوظيف وإيقاف الطلبيات خوفًا من نفاد المخزون خلال ثلاثة أشهر فقط.
المدير التنفيذي للشركة قال:
"لا يمكننا تمرير التكاليف للمستهلك. لا توجد مصانع أو مهارات كافية في أميركا لإنتاج هذه المنتجات محليًا".
المخاوف تتصاعد من حدوث نقص في المعروض الأساسي للرضّع إذا استمرت الرسوم، ما قد يُشكل أزمة حقيقية للعائلات.
"ضريبة الدجاج": حين تتحول السياسات المؤقتة إلى واقع دائم
لفهم عواقب الرسوم طويلة المدى، يُشير الاقتصاديون إلى ما يُعرف بـ**"ضريبة الدجاج"** التي فرضها الرئيس ليندون جونسون في 1963 على شاحنات البيك أب المستوردة.
ورغم أن سبب الرسوم انتهى منذ عقود، فإنها لا تزال سارية حتى اليوم، وحرمت السوق الأميركي من المنافسة لعقود، ورفعت الأسعار على المستهلكين.
الدرس الأهم هنا أن السياسات التجارية المؤقتة قد تخلق واقعًا دائمًا يصعب تغييره لاحقًا.
الخلاصة
رغم الحديث السياسي عن "صفقة جيدة جدًا مع الصين"، فإن الرسوم الجمركية أصبحت واقعًا يوميًا يطال المستهلك الأميركي من كل الاتجاهات.
شركات التجميل تنهار تحت ضغط التكاليف.
المجتمعات الثقافية مثل تشاينا تاون تفقد زبائنها.
قطاع الأطفال يواجه تهديدًا مباشرًا.
وأسواق الألعاب تتهيّب ما هو قادم.
ووسط كل ذلك، السؤال ليس فقط إن كانت هناك صفقة قادمة، بل هل تستطيع الشركات والمجتمعات الصمود حتى ذلك الحين؟ مثل "ضريبة الدجاج"، قد تكون هذه السياسات مجرد بداية لإعادة تشكيل طويلة الأمد في التجارة الأميركية – ومَن سيدفع الثمن؟ — المستهلك أولًا.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet